ads x 4 (2)
ads x 4 (3)
ads x 4 (4)

ما لا تعرفونه عن عالم الفراشّة في تطوان

بقلم : Akram Abdelkarim

بقلم : Akram Abdelkarim

أنا لا أريد هنا أن أكشف لكم عن شيء تجهلونه بالمرة، فلربما لدا الكثير من أبناء المدينة معلومات حول هذا الأمر اعتبارا للعدد الهائل من الفراشة الذين كانوا يفترشون أرصفة شوارع تطوان، ولمعايشة هؤلاء للساكنة لسنين طويلة، وطبعا لانتماء هؤلاء للطبقة الإجتماعية المشكلة للمدينة..ولكنني سأتطرق لأمور ربما هي خفية عن الكثير وسأكشف عنها الحجاب في حلقات باعتباري عايشت هذا الواقع عن كثب وعن قرب.وسأحاول أن أختصر قدر الإمكان كما أنني سأتجاوز الخوض في تفاصيل التفاصيل.

 

سوف أعود بكم إلى سنة 1994، وهي السنة التي أتذكر فيها تفاصيل الأمر بالرغم من أنني أتذكر بعضا منها قبل هذا التاريخ، ولكنها في هذه السنة تظهر أمام عيني بوضوح تام وكأنها حدثت بالأمس، لأنني عايشت الوضع كما أن كأس العالم المنظمة في أمريكا حينها ساعدتني على تذكر بعض التفاصيل.

في العام 1994 أي قبل 30 عاما بالتمام والكمال، كان الفدان والطرافين يعجان عن آخرهما بالفراشة، والرواج كان مبهرا لاعتبارات أولها الدور الجوهري لمعبر كاستيياخو الذين كانت كل سلع سبتة تعبر من خلاله إلى تطوان كثاني محطة بعد الفنيدق، بل والأولى في بعض السلع التي كانت تخرج مباشرة من سبتة إلى تطوان.

معظم الفراشة في القلب النابض لتطوان حينها ( الطرافين- الفدان) كانوا من الذين قدموا من ضواحي مدينتي الناظور والحسيمة أي أنهم من المتحدثين بالريفية ولكنهم كانوا متمرسين في التجارة ويفهمون أغوارها وأساليبها، زيادة على الجدية التي اتصفوا ويتصفون بها في تعاملاتهم، ولم يقتصر حلولهم على تطوان فقط بل وفدوا إلى الفنيدق وطنجة، وطبعا كان هناك من سبقهم في السبعينات والثمانينات ممن لم تسعفهم الظروف أن يهاجروا إلى أوروبا.

كان بعض أبناء الملاح يقدمون على هذا العمل أيضا ولكن عددهم كان قليلا وفي مجمله كان يقتصر على بيع الديطاي وبعض المستلزمات التجارية البسيطة ( الريكلام)،والبعض الآخر كانوا من جبل درسة وهؤلاء في تعاملاتهم التجارية كانوا يدخلون على نوع محدد من السلع ( الكروجات/لكروج) وحين ينتهون من بيعها يستقدمون نوعا آخر وهكذا، وعموما فأبناء تطوان حينها كانت تستهويهم سبتة أكثر من مدينتهم، أي أنهم كانوا يفضلون نساء ورجالا أن يأتوا بأنفسهم بالسلع من سبتة إلى تطوان لأن الأمر كان مربحا أكثر وللإمتياز الذي كانوا ينفردون به باعتبارهم يمتلكون جوازات سفر تخول لهم الدخول القانوني إلى سبتة، وهذا ما لم يكن متاحا إلا للقلة القليلة ممن قدموا من القرى والقبائل البعيدة.

كانت التجارة مميزة ومدرة للدخل في كل السنوات المتعاقبة في التسعينات، وشهدت أوج ازدهارها في السنوات الأخيرة من هذا العقد ( 98/99)، وعند حلول الألفية الجديدة كان الأمر كما في سابقه، رواج منفرد لم تكن تماثلها إلا مدينة الناظور، إذ كان يكفي أن تفترش نوعا من السلع البسيطة برأس مال في حدود 2000 درهم حتى تصل أرباحك اليومية إلى ما يفوق 500 درهم يوميا بالخصوص في فصل الصيف وأيام العطل،وكان من يخرج السلع من سبتة يربح أضعاف هذا المبلغ وفي مدة زمنية أقصر بكثير .

مع تعاقب سنوات الألفية الجديدة بدأ يفد إلى المدينة فراشة آخرون خصوصا القادمون من نواحي آسفي ومراكش إذ كانوا يكترون في المدينة القديمة بيوتا يقتسمونها في ما بينهم فردين في كل غرفة والمبلغ كان يصل إلى حدود 300 درهم شهريا للفرد الواحد، وهؤلاء كانوا يتاجرون في السلع التقليدية بالأساس وخاصة ( التشوامر ) و ( البلاغي) وغيرها بحسب ما يتناسب مع فصول السنة، ومع مرور الوقت بدأوا يتاجرون في سلع سبتة مع محافظتهم على السلع التقليدية في المناسبات.

مع مرور السنوات، بدأت النساء اللواتي لم يعدن قادرات على العمل الشاق في سبتة يقدمن على عرض سلعهن في الأرض ( الحناء والصابون البلدي والكحول وغيرها…) فتكاثر عدد الممارسات لهذا النوع من التجارة بعدما كان قليلا في السابق، ثم انطلق بعض شباب المدينة في النزول إلى الشارع أيضا للتجارة، إذ كان أصحاب المحلات التجارة ينادون على الشباب في أحيائهم فيسلمون لهم السلع مقابل عوائد تحدد مسبقا بنسبة مائوية في كل حبة مباعة.

وهنا بدأ نوع آخر من التجارة..

نزل شباب المدينة والمراهقون إلى الشارع تحت شعار (المدينة لأبنائها أولا) بعدما تشجعوا للإقدام على العمل كباعة فوق الأرصفة وبمحاذاتها، إذ قبل ذلك كان شباب المدينة يخجلون من هذا العمل ومن أن يشاهدوهم ( أبناء وبنات الحومة )!

مع توالي أعوام أخرى ومع اقتراب نهاية العقد الأول من الألفية الجديدة بدأت السلطات تطارد الباعة بكثافة بعدما كانت نادرة في السابق، والمفر كان يتم فرادا وزرافات إلى أدراج العمارات، أينما وجدت عمارة أبوابها مفتوحة في المدينة إلا وفر إليها الباعة، وبعد هدوء الأوضاع يعودون إلى أماكنهم وكأن شيئا لم يحدث.

ومع تغاضي السلطات عن الإهتمام، بدأت العشوائية تدب في الأماكن الإستراتيجة، الفدان، الطرافين،الدار د الطير،باب التوت، باب نوادر، وإلى حد ما شارع محمد الخامس.حل انتشار تعاطي المخدرات والمشاجرات، بل وأصبح البعض يبيع ويشتري في الأمتار المخصصة للتجارة، ولم تكن هناك غرابة في أن يمتلك فردا واحدا أو مجموعة من الأفراد مساحة هائلة، ثم يقوم ( يقومون) بكرائها لمن يدفع أكثر، هكذا..وكأن الرصيف في ملكتهم الخاصة، وكأنه حق من حقوق الوراثة!

الضعفاء وكبار السن ومن ليست لديه سلعة تدر له مبلغا للكراء (والذين خاصهوم طرف الخبز لولادهوم في التيقار ) كانوا يتجهون إلى زوايا لا يصل إليها المسيطرون المتغطرسون، وغالبا ما كانت هذه الأماكن بعيدة عن النشاط والحركة، ومن بين هذه الأماكن كان ( رومبوان ديور دلحجر)، التي من بين من شملهم الإبتعاد عن طواعية إلى هذا المكان رجل ( شيباني ذو لحية بيضاء مهذبة وزوجته الوقورة)، وكانا غاية في الطيبوبة بالرغم من أن مداخليهما لم تكون كافية للعيش الكريم.

يتبع…

error: Content is protected !!