الرمال تنهب والسلطات تتفرج..تحقيق من عمق سواحل أزلا
في الوقت الذي تتعالى فيه الأصوات المنادية بضرورة حماية الثروات الطبيعية وصون التوازن البيئي، تستمر على مرأى ومسمع من الجميع جريمة بيئية خطيرة على سواحل جماعة أزلا التابعة لإقليم تطوان، الأمر لا يتعلق بخطر مستقبلي مبهم، بل بواقع يومي مرير يتجسد في مشهد مأساوي يتكرر على شاطئ سيدي عبد السلام، المعروف محلياً بـ”التلول”.
في ليالي صامتة، وحين يظن البعض أن الشاطئ نائم على أمواجه، تنبعث آثار عجلات ثقيلة حفرت أخاديدها في رمال “التلول”، كأنها توقع شهادة اغتصاب لمكان كان من المفترض أن يحاط بالحماية لا الطمع، تلك الآثار، التي تتكرر بشكل دوري، ليست مجرد علامات عابرة، بل دليل دامغ على أن شاحنات النهب تواصل عملها بانتظام ودونما اكتراث.
لا يحتاج الزائر لكثير من التحري أو التدقيق، فآثار الإطارات المتعددة التي تشق طريقها ذهاباً وإياباً نحو عمق الشاطئ، تفضح المستور وتكشف عن استمرار عمليات استخراج الرمال بشكل غير قانوني، في تحد صارخ للقوانين، ووسط صمت رسمي يثير أكثر من سؤال.
السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح: كيف يمكن لمثل هذه العمليات المنظمة أن تستمر دون أن تتحرك السلطات المعنية؟ هل نحن أمام غياب مقلق للمراقبة البيئية والأمنية؟ أم أن هناك تواطؤاً أو تغاضياً ضمنياً يفتح الباب على مصراعيه أمام مافيا الرمال؟
الظاهرة ليست جديدة، لكنها في “التلول” أصبحت جزءاً من روتين يومي يهدد التوازن الإيكولوجي للمنطقة، ويقوض جهود التنمية البيئية التي تتغنّى بها الخطابات الرسمية، إن استمرار هذا النهب يهدد بتآكل الشاطئ ويدفع نحو تغيرات بيئية يصعب تداركها مستقبلاً، كما يضرب في العمق كل المشاريع السياحية والبيئية التي تراهن على شواطئ نظيفة وطبيعة مصانة.
لم تعد الرمال مجرد عنصر طبيعي هامشي، بل تحولت إلى “ذهب رملي” تتهافت عليه الأيادي الجشعة التي لا ترى في الطبيعة سوى فرصة للربح السريع، ومع غياب المحاسبة، تصبح الشواطئ ضحية سهلة لتغول المصالح الخاصة، وهو ما يجعل من “التلول” مرآة عاكسة لحالة فوضى في تدبير المجال البيئي والساحلي.
أمام هذا الوضع الخطير، من الواجب دق ناقوس الخطر والتحرك العاجل من طرف السلطات المحلية والجهوية، كما يقع على عاتق جمعيات المجتمع المدني والإعلام مسؤولية فضح هذه الممارسات وتكثيف الضغط من أجل وقف هذا النزيف البيئي.
إن إنقاذ شاطئ “التلول” لا يعني فقط حماية الرمال، بل يعني حماية الحق في بيئة سليمة، وصون ذاكرة مكانية لها قيمة سياحية وثقافية وبيئية عالية، فهل تتحرك الجهات المعنية قبل أن نصحو ذات يوم على شاطئ اختفى تحت عجلات الشاحنات؟